الخامسة عشر: الآن وقع ما كان منتظراً، وبدأت الحرب الصليبية الكبرى بالعدوان على الشعب الأفغاني، وفي هذا قطع للجدل غير المثمر حول الحادث ومدعاة للتفكير الجاد العميق في أهداف أمريكا.
وكيف استثمرت الحدث؟ ثم كيف يجب أن نستثمره نحن؟
لقد جاء هذا الحادث ليكون حلقة في سلسلة السقوط الأمريكي المتتابع، فقد سقطت أمريكا، أخلاقياً بفسق كلنتون ومهزلة مساءلته، ثم سقطت سياسياً بمهزلة الانتخابات والفرز اليدوي، ثم سقطت إنسانياً كما حدث في مؤتمري دوربان والبيئة، ثم جاء الحادث ليسقطها أمنياً ويهزها عسكرياً واقتصادياً، فقد هشم كبرياءها وكشف سوأتها لكل من كان يتربص بها، ومن المحال أن تستعيد ما كانت عليه من الهيبة والشعور بالثقة وإن كانت بلاشك تستطيع تلافي آثار المأساة في جوانب أخرى، ولا ريب أن دارسي الحضارات ومستقبل العالم سيعيدون النظر في تقديراتهم وحساباتهم تجاهها.
وتلافياً لآثار هذه الأزمة التاريخية الحادة اندفعت أمريكا لاستثمار الحدث بأوسع ما يمكن من المجالات؛ لفرض الهيمنة التي كانت مطلوبة من قبل، ولاستعادة الكبرياء والهيبة المفقودين، هذا عدا تلافي القصور الشخصي لرئيس يعاني من فقد كثير من مؤهلات القيادة، وحزبٍ لم يجد من رجالٍ للإدارة إلا عجائزه من أيام جونسون وبوش الأب، ومن هنا شرعت الإدارة الأمريكية في حشد كل ما تستطيع من القوى، واستنـزاف كل ما يمكن من المال، واستهداف كل من يمكن من الأعداء، وبارتجال وارتباك واضحين استعجلت الخطط لذلك وتعسفت في فرضه على العالم بشقيه الموافق لها والمخالف.
ولعل من أوضح الأدلة على الحصر النفسي والتخبط في استغلال الحادث من جهة، والمبالغة في استثماره لأهداف مبيتة سلفاً من جهة أخرى - إعلانها ذلك المبدأ القائل: (من لم يكن معي فهو عدوي) باختـزال المواقف كلها في معسكرين: معسكر الحرية والحضارة والديمقراطية، وهو شامل لكل من يقف مع أمريكا، ومعسكر الإرهاب والبربرية والشر وهو شامل لكل من لم يقف معها، وإن لم يكن عليها ضداً، وبالغت أمريكا في الاستبداد بزعامة الأول كما أفرطت في التهديد بمعاقبة الآخر.
ومن هنا تعالت الأصوات من أصدقائها فضلاً عن أعدائها باستنكار هذا المبدأ الخطير والتصنيف الجائر، واستنتج كثير من المحللين أن هناك أهدافاً بعيدة قد تكون الضربات العسكرية لبلدان عدة أهون ما فيها أو مقدمة لها، أما هدف القضاء على تنظيم القاعدة وحكومة طالبان فلا يعدو أن يكون مبرراً ظاهرياً للتغطية.
والذي يدفع لهذا الاعتقاد أن الخطة العسكرية الأمريكية منذ عقدين أو أكثر مرسومة أصلاً بحيث يمكن إشعال حربين إقليميتين في نفس الوقت - كما لو وجهت ضد العراق وكوريا مثلاً -، فالعنصر البشري الذي يبلغ تعداده (300) ألف جندي موجود في منطقة المحيط الهندي والخليج بشكل دائم، وميزانية النفقات معتمدة سنوياً بانتظام.
فلو أن المقصود الآن أفغانستان ودولة أخرى أيضاً -لما احتاج الأمر إلى أكثر من تنفيذ ما هو مرسوم من قبل؛ لاسيما والشعب سوف يقنع بهذا الرد وسوف تتجنب الانتقادات الحادة داخلياً وخارجياً.
ولهذا كان السؤال القائم الآن هو : لماذا وسعت أمريكا وبوضوح تام نطاق المواجهة وأبعاد المعركة وعلقت نتائجها ونهاياتها، وجعلتها مثاراً للجدل والتخمين والتحليل في كل مكان؟
إن مفتاح الإجابة على هذا السؤال الكبير يأتي باستعراض القوى العالمية الكبرى وموقع أمريكا منها، وهذه القوى هي:
1- الاتحاد الأوروبي.
2- اليابان.
3- روسيا والجمهوريات المستقلة.
4- الصين.
5- الهند.
6- العالم الإسلامي بعنصري القوة :
أ - النووي : باكستان.
ب- النفطي والاستراتيجي : العرب.
وفرق كبير بين أن تظل أمريكا قوة من هذه القوى - وإن كانت الأقوى - وبين أن تتفرد بالهيمنة عليها جميعاً، وإحكام القبضة على مقود السيطرة العالمية، وتسحق كل هذه القوى أو بعضها ما أمكن، وهو ما كانت أمريكا تعد العدة لـه وتنتظر الذريعة الكافية لفعله، لاسيما وإن التخويف من قوة العراق أو إيران وسيطرة قوة مارقة على منابع النفط والممرات الحيوية قد فقد سحره، بل لم يعد أحد يصدقه كما أن سحق آخر بؤرة معارضة في أوروبا وهو الاتحاد اليوغسلافي فتح الباب للتساؤل عن العدو المرشح لحرب أكبر تخوضها أمريكا عليه.
فقد أصبح معتاداً أن كل من يرأس أمريكا لابد أن يشن حرباً أو أكثر، فالحرب هي مصدر الثروة التي لا يحاسب عليها أحد، وشركات السلاح وقوى العولمة والمرابون الكبار هم أقوى قوى الضغط جميعاً، وهم لا يروي عطشهم إلا حرب كبرى أو مشروع حربي كبير والرئيس الذي يخالفهم يفعلون به ما فعلوا بـكندي وكادوا أن يفعلوه بـريجان. وتوريط أمريكا في حرب واسعة سيفتح لهذه الشركات مورداً أكبر بكثير من مشروع درع الصواريخ الاستراتيجية، وسوف يفرض هيمنة أمريكا التي هي هيمنتهم على كل القوى المنافسة.
وقد أشارت أكثر من دراسة إلى أن منطقة جنوب شرق آسيا هي المنطقة الأقرب لأن تكون مسرحاً لهذه الحرب فهي مجمع القوى الرئيسة الصاعدة، وهي أكثر مناطق العالم توتراً بعد منطقة الخليج وفيها يمكن تجسيد العدو المفتعل الغامض "الإرهاب" في شخص أفغانستان ومن عليها.
  1. توافق الحدث مع الخطط الأمريكية المرسومة

    وهكذا جاء الحدث غير المتوقع لينجز خطة مرسومة من قبل :-
    1- فالاتحاد الأ3000817وروبي تناسى بسرعة مدهشة موقفه المتميز عن المواقف الأمريكية في قضايا كثيرة أهمها "القضية الفلسطينية"، وتعلق بأذيال أمريكا لمحاربة "الإرهاب" وأصبح بلير وزيراً لخارجية أمريكا في حملتها الدبلوماسية!! وتلاشى التحفظ الفرنسي الدائم، وبالغت ألمانيا في الانبطاح إلى حد المبادرة والقبض على مشبوهين لم يطلبهم أحد ولم يتهمهم أحد أصلاً.
    2- أما اليابان فقد سنحت الفرصة لشطب اسمها من قائمة المنافسين لـأمريكا إلى الأبد، فهي دولة قومية وليست حضارة، وهي نائية جغرافياً ولا جيش لها على الحقيقة، وكل قوتها محصورة في الاقتصاد وهي الآن في ورطة اقتصادية عويصة. وطالما هددتها أمريكا وتربصت بها لتمويل حملاتها قائلة: إن اليابان تحصل على ما تريد من الطاقة وحرية التجارة مجاناً، مع أن أمريكا تتكفل بحماية النفط والممرات الاستراتيجية، فهذا أوان المحاسبة ولا يسعها إلا أن تدفع وتركع بدون تردد.
    3- وأما روسيا والجمهوريات المستقلة، فهي العالم الجديد الذي يسعى المرابون الكبار في العالم وطواغيت العولمة - وهم أمريكيون - إلى اكتشاف كنوزه الهائلة، ونـزع آخر أظافر القوة العسكرية لديه، وهاهي ذي الفرصة سانحة لوجود عسكري مباشر على أراضي الاتحاد السوفييتي سابقاً، ويالها من مفارقة مذهلة!! كان الروس يرفضون وجود قواعد أمريكية في جزر المحيط الهندي والآن يرحبون بها فوق أراضيهم؛ لذلك تساءل الروس : أي شيطان يمكنه أن يبلِّغ خروتشوف بهذا؟
    4- وأما الصين فلن تكون العملاق الصاعد بعد اليوم فالنفوذ الأمريكي سيحيط بها من كل جهة -وهاهو ذا قد بدأ- والجزرة خير لها من العصا! نعم ستبقى قوية بشرياً لكن هذا سيجعلها أيضاً سوقاً هائلاً لـأمريكا.
    5- وأما الهند فلابد أن تيأس من محالفة روسيا، ولابد أن تندم على قوتها النووية وتكفِّر عن أحلام السيطرة على جنوب آسيا بالخدمة الرخيصة للإقطاعي الأمريكي.
    6- وأما العالم الإسلامي فهو المستهدف الأول والند الأبدي ليس لما لديه من قوى الآن فحسب، ولكن لأنه المرشح الوحيد للمنافسة ولو بعد قرن من الزمان؛ بل العدو الوحيد الذي لا تحتاج الحرب عليه إلى أي مكسب آخر فالقضاء عليه هو الربح بذاته.
    واختيار أفغانستان لكي تكون كبش الفداء لحرب الاستكبار والهيمنة ليس بسبب الإرهاب ولا إيواء تنظيم القاعدة؛ بل تعود أسبابه إلى أيام المنافسة بين السوفييت والأمريكان للسيطرة على الخليج، والموقع الجغرافي لـأفغانستان هو الذي جعلها بؤرة الصراع وميدان المنافسة، فعند هذا البلد القارّي المعزول عن البحار تلتقي أطراف أربع من القوى الكبرى السابق ذكرها:
    (روسيا، الصين، الهند، العالم الإسلامي : باكستان، إيران، ثم الخليج).
    ومن خلال هذا التفسير يمكن فهم تكرار الحديث عن حرب طويلة وشاملة على لسان بوش وأعوانه؟
    إن المدى الذي حدده بوش بعشر سنوات ليس للقضاء على حركة طالبان بل لإحكام السيطرة على هذه القوى الأربع وذلك بجمع رءوسها كلها وضربها بحجر واحد، أوربطها بحبل واحد تكون عقدته في أفغانستان، وزمامه في يد قواتها التي سوف تتضاعف في المحيط الهندي والخليج وآسيا الوسطى على مقربة من عين التنين الأصفر، وسوف تلقي للاتحاد الأوروبي ببعض الفتات وتلوح لـروسيا بشيء منه، فهاتان القوتان جزء من حضارة الرجل الأبيض!! أما اليابان فسوف تصبح معزولة تابعة بل يمكن أن تستخدمها مع كوريا الجنوبية لضبط قوة الصين والإجهاز على كوريا الشمالية.
    وأما الدول العربية فالخطة تقتضي جعلها منظومة تابعة مثل جمهوريات الموز، أو دول الصحراء، وتغيير الأنظمة فيها - حتى المعتدل منها!! - وبهذا تتفرد أمريكا بالهيمنة على هذا الكوكب!!
  2. الحرب الأمريكية على الجوانب السياسية والثقافية

    وقبل الحديث عن إمكان نجاح هذه الخطة من عدمه نشير إلى الجانب المهم جداً للصراع وهو الجانب الحضاري والثقافي الذي تلخصه الإدارة الأمريكية في عبارات من مثل : "تجفيف المنابع" أو "فرض القيم الأمريكية" والواقع أن العالم الإسلامي يتميز في هذا الجانب تميزاً هائلاً، فالاختراق الحضاري الغربي لمنظومة الأديان الشرقية ممثلة في البوذية والكنفوشيوسية والهندوسية لا يحتاج إلى برهان، فقد اجتاحت الإباحية الأمريكية واللغة الأمريكية والثقافة الأمريكية القلاع التقليدية لهذه الأديان، وإن كانت الصين لا تـزال تحاول المقاومة، أما العالم الإسلامي فشأنه منذ القدم أن يستوعب الثقافة الوافدة فلا هو يعاندها ولا هو يذوب فيها، وكلما كان التحدي أقوى كانت استجابته أشد.
    نعم، إن هذه الهيمنة أعنف هجمة حضارية تعرض لها في تاريخه ولكن بوادر التميز قد ظهر لها إشارات وبشارات في كل مكان، ومنها الوجود الإسلامي المتميز في داخل الحضارة الغربية نفسها ولا أوضح من معرفة السر في هذا، فهو نقاء هذا الدين وربانيته وفطريته؛ لكن أمريكا لا تقبل الاعتراف بهذا ومن هنا يأتي المفتاح للجواب على السؤال الكبير وهو :
    هل ستكسب أمريكا هذه الحرب الطويلة الشاملة الذي فرضتها على نفسها وعلى العالم؟
    والجواب بدون تردد: لا. لن تكسبها ولو جعلت العشر السنين عشرين؛ بل قرنين. إن أمريكا يمكن أن تكسب حرباً عسكرية خاطفة أو طويلة، أما أن تكسب حرباً شاملة فلا، ومن هنا من ثغرة الشمول ينتقض بناؤها على أم رأسها، والسبب توضحه جلياً التجارب الكثيرة من الأمة الإسلامية في كل صراع تلوح فيه شعارات الدين، فلا شيء يستفز المسلمين أكثر من مس العدو جانب الدين أو المقدسات، وقد نمى الوعي الإسلامي بحيث أصبح استخدام الأجواء مساساً بالمقدسات فكيف والإدارة الأمريكية تستفز المسلمين بشعار كشعار "الحرب الصليبية" أو "تجفيف المنابع" وتظن أنها تمتص المشاعر الجياشة بأعمال من قبيل زيارة مركز أو إلقاء غذاء مع الصواريخ المتساقطة!!
    إن شعوب العالم الإسلامي خاصة -وشعوب العالم عامة- تستريب من كل خطوة أمريكية، وإن جاءت في الاتجاه الصحيح، فكيف وهي تسبح عكس التيار؟ فحين لوّحت بالاعتراف بدولة فلسطينية لم يأبه لها أحد، وحين ألمحت إلى تغييرات في الأنظمة العربية لصالح الديمقراطية وحرية الشعوب لم يصغِ لها أحد، أما حين تتحدث عن الحركات الجهادية في العالم باعتبارها إرهابية فإن المسلمين يتوقعون منها كل شر.
    إن المواجهة بين أمريكا والعالم الإسلامي ستكون عنيفة للغاية ومدمرة، وسوف تحدث شروخاً هائلة في الوضع القائم ما لم تتراجع أمريكا عن خطتها الغاشمة وعدوانها المستمر، وهو ما لا يظن بها -على الأقل في المرحلة الراهنة- ومن هنا نرجو أن يكون هذا استدراجاً لها من الله مع كونه ابتلاءً وامتحاناً للمسلمين.
  3. فوائد مستنبطة

    إن الله تعالى قد عَلِمَ حاجة هذه الأمة إلى اليقين والإيمان فجاء بهذا الحادث ليكون آية من عنده على ((أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً))[البقرة:165] وأنه تعالى قادر على أن يفعل بكل عدو للإسلام ما فعل ببني النضير الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ((فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ))[الحشر:2]
    إن هذا الحادث أكبر من كونه هجوماً مباغتاً على قوة عظمى زلزلَ أركانها، وأفقدها صوابها، إنه قلبٌ لكل المعادلات ونسفٌ لكل الحسابات التي بنى عليها الغرب الصليبي حضارته وسيطرته وأسباب قوته منذ خمسمائة سنة وأكثر -أي: منذ أن أخرج المسلمين من الأندلس، وشرع في كشوفاته الاستعمارية الأولى.
    فكل تلك المعادلات والحسابات والأسباب تقوم على التفوق العسكري والحضاري على الخصم في كل ميدان، وهو التفوق الذي بلغ ذروته في المرحلة الأخيرة، حيث لم يعد في إمكان العالم الإسلامي التفكير في مقاومة هذا العدو، الذي تأهل بالتقنية المتطورة ليصنع أشد الأسلحة فتكاً ودماراً، وتوحّد ليصبح معسكراً واحداً من حدود روسيا مع اليابان شرقاً إلى أقصى الجزر التابعة لـأمريكا غرباً، وقد استنفد آلاف البلايين ليملك قوى جهنمية ومواقع استراتيجية وثروات طبيعية لا يقبل أن ينافسه أحد في شيء منها.
    هذا والعالم الإسلامي يعيش عقدة النقص والتخلف فأنىَّ لـه بجيوش كهذه الجيوش، وقوى وموارد كتلك القوى والموارد، وهو فقير متخلف في أهم أسباب القوة المادية وهو " التقنية "!! وأنى له أن ينافس في شيءٍ ما من الميادين والعدو متربص به يحصي أنفاسه ويمتص دمه!!
    إنها حال مؤلمة لا تبعث إلا على الإحباط واليأس، وربما أنتجت شكاً في وعد الله وسوء ظن به؛ بل تكذيباً لما جاء في كتابه - عياذاً بالله - ولكن هذا الحادث جاء ليقول للمسلمين والعالم بوضوح:
    إن القلعة الحصينة التي بناها الغرب في قرون يمكن اختراقها بالحمام الزاجل! وإن الجيوش الغفيرة يمكن هزيمتها بمئات من طالبي الجنة! وأن التقنية مهما تطورت لا يمكن أن تقاوم الروح المعنوية للمؤمنين.
    جاء وأمريكا تعمل على قدم وساق لبناء منظومة صواريخ للردع الاستراتيجي، وأقمارها الصناعية ترصد ما فوق الأرض؛ بل ما تحتها من الكنوز، ولكن روحها خاوية من الإيمان بالله مشبعة بالكبر والغطرسة فاستطاعت ثلة قليلة العدد من أبناء العالم المتخلّف أن تدوس أنفها في التراب على مرأى ومسمع من العالم المذهول المصعوق.
    سبحان الله! أيّ آية في هذا، وأيّ عبرة للمؤمنين؟
    لو عقلت أمريكا هذه الآية لسارعت بطلب المغفرة من المسلمين، وبادرت بالتكفير عن جرائمها الكبرى ومواقفها المشينة معهم، ولكنَّها - لحكمة عظيمة قدرها الله - ركبت رأسها وشرعت في عدوان من شأنه أن يجعل الملايين في العالم الإسلامي تتحول من حياة المتعة الرخيصة إلى طلب الشهادة على نحو ما فعلت تلك الثلة أو أكثر، وربما بوسائل أخطر.
    لقد انقلبت كل الخطط والمعايير والمعادلات والحسابات!!
    وأصبحت الترسانة الهائلة من الأسلحة -التقليدي منها والنووي و... و... مما لا نعلم- أشبه بأكوام السيارات القديمة أو "الخردة".
    لقد تم تحييدها في هذا النوع الجديد من الحرب الذي لا يعدو أن يكون مبارزة بين قوى خارقة غير مرئية يملك المسلمون منها ما لانهاية له وبين القوى المادية التي يكتظ بها الغرب ولكنها هامدة خاوية لا روح فيها، فهي كالعملاق الضخم الذي يمكن لفيروسات قاتلة أن تنخركبده، وهو يستعرض قوته في مصارعة إنسان أنهكه المرض وأجهده الجوع!